تكبر كرة الثلج الفلسطينيّة احتجاجا على سياسة وكالة "الأونروا" في لبنان، إذ تأخذ القوى السياسية الوطنية والاسلامية على إدارتها عدم مواكبتها بروح من المسؤولية والجدية تداعيات الازمة الاقتصادية والمعيشية اللبنانية وقد كشفت مع طول أمدها على مدى أربع سنوات عن ارقام صادمة في الانهيار جعلت اللبنانيين تحت خط الفقر المدقع، ويبحثون عن قوت اليوم، فكيف الحال عن اللاجئين الفلسطينيين المحرومين من حقوقهم المدنية والاجتماعية ويعيشون البؤس والمعاناة في المخيمات؟.
وكرة الاحتجاج تدحرجت غضبا مع حلول شهر رمضان المبارك، لما يفرض من أعباء مالية اضافية في ظل الغلاء وارتفاع الأسعار ارتباطا بسعر صرف الدولار الأميركي في السوق السوداء، في حين تقف "الاونروا" مكتوفة اليدين وتكتفي بما تقدمه من فتات المساعدات المالية الدورية (كل ثلاثة أشهر) لحالات العسر الشديد–برنامج الأمان الاجتماعي، واستثنائيا لمن هم مرضى دون سن الثامنة عشرة عاماً أو فوق الستين، أي أنها حرمت كل اللاجئين من الاستفادة من مساعداتها، في وقت لم تبدأ بعد بتعديل برنامج الشؤون الاجتماعية ليشمل العدد الأكبر من أبناء المخيمات كما وعدت في وقت سابق.
وحالة الغضب، تسود القوى السياسية والشعبية وأبناء المخيمات جراء عدم مواكبة "الأونروا" تفاقم الأزمات المعيشية، بخلاف "برنامج الأغذية العالمي" الذي يعتزم القيام خلال شهر رمضان المبارك وامتدادا على طوال العام 2023، بدعم حوالي 35 مليون شخص في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا عبر مساعدات غذائية ودعمه الفئات الأكثر ضعفا على الصمود، بعدما أصدر تقريرا حول تضخم أسعار السلع الغذائية حيث وصل في لبنان إلى 138 في المئة، وفي سوريا وصل 105 في المئة، معتبرا ان منطقة الشرق الأوسط تواجه أزمة أمن غذائي متفاقمة مع حلول شهر الصوم بسبب ارتفاع معدلات تضخم أسعار الغذاء وانهيار العملات المحلية. وهذا الاستنتاج يتقاطع مع استنتاجات وكالة الغوث مع فارق ان الوكالة ما زالت ومنذ العام 2019 تنتظر التمويل الذي يتناقص بشكل سنوي.
وكشفت أوساط فلسطينية لـ"النشرة" عن مشكلة جدية تتمثل في تعاطي المؤسسات الدولية مع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، فهذه المؤسسات بخاصة تلك التي تتعاطى بقضايا الدعم الاغاثي، لا تقترب من المخيمات الفلسطينية كونها محاطة برعاية وكالة "الاونروا" وحمايتها من الناحية الاغاثية، بينما الوكالة ما زالت تحجم عن اقرار خطة طوارئ اغاثية تواكب الازمة الاقتصادية في لبنان والتي ازدادت حدة منذ بداية هذا العام 2023.
وتؤكد أن التطوير الذي طرأ على بعض الخدمات، إن وجد، انما جاء من خارج البرامج العادية وبدعم مباشر من بعض الدول المانحة التي فضلت تقديم دعمها لبرامج معينة وليس الى الموازنة العامة، ومنها على سبيل المثال: مشروع "المال مقابل العمل" الذي بدأ عام 2019 بتمويل من البنك الألماني للتنمية، تقديم مساعدات نقدية عام 2020 بمبلغ 112 الف للفرد، وهو مشروع لاقى انتقادا واسعا من اللاجئين نتيجة الفوضى التي شابته، وتقديم مساعدات نقدية لفئات معينة من اللاجئين (الاطفال، المرضى وكبار سن)، فلا يمكن القول ان "الاونروا" تدخلت بشكل غير تقليدي لتواكب الازمة اللبنانية وتداعياتها على اللاجئين.
ويقول رئيس "دائرة اللاجئين و"الاونروا" في الجبهة الديمقراطية" فتحي كليب، ان المخاطر تحدق بجدية بفئات من اللاجئين الفلسطينيين الذين ليس لديهم أي مصدر خدماتي يعتمدون عليه في معيشتهم سوى الوكالة التي تعاني بدورها من أزمة مالية ومن عجز مالي يتكرر كل عام وينعكس على مستوى الخدمات التي لم تعد تلبي الحد الادنى من الاحتياجات المعيشية.
ويدعو كليب الوكالة إلى مراعاة الأوضاع الاقتصادية التي تزداد تدهورا والاسراع بإعلان نتائج المسح الذي أجرته قبل أسابيع، وبما يؤدي إلى ضم عائلات جديدة لـ"برنامج شبكة الامان الاجتماعي" وتوسيع دائرة التوزيعات النقدية وشمولها لجميع الفئات، خاصة وأن تقارير "الاونروا" نفسها وتصريحات مسؤوليها تؤكد أن أكثر من 90 بالمئة من اللاجئين الفلسطينيين يعيشون تحت خط الفقر، اضافة إلى تعزيز التعاون والتنسيق مع مؤسسات الأمم المتحدة وبرامجها الاغاثية بما يُمكنُّ من استفادة اللاجئين من تقديماتها.
وتقاعس "الاونروا" عن القيام بواجباتها والسعي الجدي لتأمين المزيد من المساعدات الاغاثية والمالية، والاستجابة للحد الادنى من التحديات التي فرضتها الازمة ومنها توفير الغذاء، دفع ببعض أبناء المخيمات إلى ركوب البحر في مغامرة غير محسوبة النتائج، وآخرين إلى افتراش مكاتب الوكالة، مطالبين بمعالجات وغيرهم لم يجد سوى التحرك الشعبي وسيلة لإيصال صوتهم إلى الدول المانحة لتأمين أموال كافية تمكنها من التصدي لعشرات المشكلات الاجتماعية الآخذة بالانتشار.
ويؤكد رئيس الهيئة 302 للدفاع عن حقوق اللاجئين علي هويدي لـ"النشرة"، ان المطلوب من الوكالة بذل كل الجهود للضغط على الأمم المتحدة ليكون لها نصيبا من المساعدات التي تقدمها في هذه المرحلة المعقدة سياسيا واقتصاديا للتخفيف من معاناة اللاجئين في المخيمات".
ويدعو هويدي الى التعاطي مع اللاجئ الفلسطيني في لبنان بشكل استثنائي نظرا للظروف الحياتية التي يترنح تحت وطأتها، ونتيجة تراكم المعاناة، خاصة بعدما أكدت "الأونروا" في تقاريرها أن نسبة الفقر لامست 93% في صفوف اللاجئين، وأن إدارة الظهر لحاجاتهم يعني عمليا المزيد من تدهور أوضاعهم الاقتصادية والمعيشية، سيما وأنها المعنية بشكل مباشر بتقديم الخدمات كافة الصحية منها والتربوية والخدماتية والبنى التحتية وسواها".
ويعتبر هويدي أن دخول شهر رمضان المبارك قبل أيام، كشف عن مدى حاجة اللاجئين في المخيمات، لدرجة ان بعضهم ليس بمقدوره تأمين طعام الإفطار نتيجة الغلاء وتدهور العملة اللبنانية التي فقدت 98% من قيمتها، فيما الاسعار على ارتفاع، واللاجئ ليس له أي مصدر سوى وكالة الاونروا" وهذا ما يجب ان تعّيه جيدا وتبذل جهودا مضاعفة لتغطية الاحتياجات"، مشددا أن "المطلوب أكثر من أي وقت مضى إطلاق "نداء طوارئ" خاص بـ لاجئي فلسطين في لبنان، بعد الكوارث التي نشهدها يوميا.
وتعترف "الأونروا" في تقاريرها وفي تصريحات مسؤوليها، بأن ما قدمته منذ العام 2019 لا ينسجم والحد الأدنى مما هو مطلوب، في ظل ثبات الموازنة العامة وعدم زيادتها، بل انخفاضها (من 132 مليون تقريبا عام 2019 إلى نحو 120 مليون دولار عام 2021)، وهذا ما أقر به مدارؤها في أقاليم سوريا، لبنان والاردن في المؤتمر الصحفي اثناء المطالبة باقرار موازنة العام 2023 والتي تعتبر "الحد الأدنى من المساعدة المطلوبة للتخفيف من الآثار الأسوأ للتدهور السريع في الوضع الإنساني لمئات الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين".
خلاصة القول، فإن البون بات شاسعا بين تقديرات الأونروا لاحتياجات اللاجئين وبين استجابة الدول المانحة لنداءاتها المتكررة. فالبرامج العادية لم تعد قادرة على تلبية كافة الاحتياجات التقليدية والمستجدة، ما دفعها لاصدار نداء طارئا في بداية العام 2022 لتطوير خدمات التعليم والصحة والخدمات الاجتماعية وكانت استجابة الدول المانحة له محدودة جدا، ثم اصدرت نداء ثانيا (تشرين اول 2022) بقيمة (13 مليون دولار) بعد التحذيرات التي اطلقها المفوض العام فيليب لازاريني لجهة مستويات الفقر غير المسبوقة ومعدلات البطالة المرتفعة للغاية، ودرجات اليأس المتزايدة في لبنان، غير ان هذا التجاوب كان محدودا، وكأن هناك يد خفية تعرف متى يجب دفع الأموال ومتى يجب حجبها، أي أن يبقى عجز الموازنة والمشكلة المالية سيفا مسلطا فوق رقاب اللاجئين، وان يبقى الابتزاز حالة تتحرك على وتر التطورات السياسية.